Preloader logo

لندن ودبي وكوالالمبور في سباق على تاج التمويل الإسلامي

عندما قالت الحكومة البريطانية الشهر الماضي إنها ستصدر أول سندات إسلامية تجاوز المغزى أسواق الديون بكثير. فكان إعلان لندن إشارة على أنها لن تنسحب من منافسة متزايدة بين عواصم مالية على كعكة صناعة التمويل الإسلامي.

وظلت لندن على مدار عقود مركزا رئيسيا للشركات الدولية الراغبة في إصدار السندات الإسلامية (الصكوك) التي تمثل جزءا من قطاع التمويل الإسلامي الذي ينمو بوتيرة سريعة وستبلغ أصوله تريليوني دولار على مستوى العالم العام المقبل طبقا لارنست اند يونج.

لكن لندن تواجه تحديا متزايدا من عاصمتين ماليتين هما دبي وكوالامبور.

وأعلنت دبي من قلب منطقة الخليج الثرية خطة لدعم قطاع التمويل الإسلامي على أراضيها هذا العام. وتمتلك دبي ثقافة ريادة الأعمال التي جعلت منها أكبر مركز مصرفي تقليدي بالشرق الأوسط وقد تشارك شركات حكومية كبرى في دبي في دعم استراتيجية الحكومة في هذا الإطار.

وتتمتع العاصمة الماليزية كوالالمبور بسمعة طيبة كونها توفر منظومة تشريعية عالية الكفاءة للتمويل الإسلامي وبها سوق محلية ضخمة لإصدارات الصكوك بالعملة المحلية بدأت تجذب شركات دولية للإصدار هناك.

وقد لا تتضح النتيحة النهائية لهذه المنافسة بين المدن الثلاث قبل سنوات من الآن. لكن الآلاف من فرص العمل وأحجام هائلة من الاستثمارات المباشرة بالشركات والعقارات ستعتمد على نتيجة هذا السباق.

يقول خالد هولادار مدير ائتمان المؤسسات المالية في خدمة موديز انفستورز سيرفيس “نحتاج كتلة حرجة من المقترضين والمستثمرين… لدينا مراكز متعددة تتطلع إلى بناء مكانة لها في القطاع الإسلامي.”

ولا يزال حجم قطاع المصرفية الإسلامية يبدو هامشيا مقارنة بالقطاع البنكي التقليدي في العالم والذي تجاوزت أصوله حاجز المائة تريليون دولار.

لكن أكبر 20 مصرفا إسلاميا حققت نموا بنسبة 16 في المئة سنويا في السنوات الثلاث الأخيرة متجاوزة نظراءها التقليديين بفارق كبير طبقا لارنست اند يونج. وهذا يجعل التمويل الإسلامي مغريا لكثير من المؤسسات التي لا تشغل أنشطة إسلامية.

وفي بيئة الأسواق العالمية غير المستقرة تعد الطبيعة المتحفظة لهياكل التمويل المتوافقة مع الشريعة عاملا مساعدا لرواج الصناعة. كما أن قدرة الصناعة على الوصول إلى الاستثمارات الإسلامية الهائلة بمنطقة الخليج المنتجة للنفط وجنوب شرق آسيا عامل مساعد آخر.

وفي العام الماضي انتشر التمويل الإسلامي خارج قواعده التقليدية إلى عدة دول بها نسب مرتفعة من السكان المسلمين من شمال أفريقيا إلى قازاخستان ونيجيريا وجيبوتي. واستفادت المؤسات المالية الأوروبية أيضا من الاستثمارات الإسلامية بإصدار صكوك.

وهذا يعد بمكاسب كبيرة للمراكز المالية المرتبة للصكوك والمنتجات الإسلامية الأخرى التي توظف خبراء لغرض هيكلة المنتجات وتستضيف فقهاء للإشراف الشرعي على المنتجات.

وقالت محافظة البنك المركزي الماليزي زيتي أخطر عزيز لرويترز “هناك طلب مكبوت هائل على الإصدارات قصيرة الأجل لإدارة السيولة في قطاع التمويل الإسلامي ويتطلب الوفاء بهذا الطلب قدوم لاعبين آخرين من أسواق أخرى.”

وأفصحت دبي عن اهتمامها بهذه الأنشطة في يناير كانون الثاني حين أعلن حاكم الإمارة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم خطة لتأسيس مركز للتمويل الإسلامي.

ولم يتأخر رد المنافسين الكبار على هذه الخطوة. وفي مارس اذار أطلقت بريطانيا خطة تضم وزراء حكوميين ومسؤولين من القطاع الخاص لتسويق أوراق اعتماد لندن في جانب التمويل الإسلامي.

وفي مايو ايار ويونيو حزيران اخذت ماليزيا خطوات لتعزيز تشريعاتها المتعلقة بالتمويل الإسلامي وسمحت لشركات التأمين التكافلي باستثمار أموالها في الخارج.

الصكوك

يعد أكبر مجال للمنافسة بين العواصم الثلاث قطاع ترتيب الصكوك. ذلك لأن لندن رائدة في جذب الشركات الدولية الكبرى الراغبة في إصدار الصكوك بسبب كبر حجم أسواقها المالية التقليدية ونظامها القانوني الذي يحظى بمكانة دولية.

وتمتلك ماليزيا ميزة السوق الحية بفضل إصدارات الصكوك بالعملة المحلية نتيجة وجود أغلبية مسلمة. واستحوذت كوالالمبور على نحو ثلثي إصدارات الصكوك الدولية هذا العام. وهذا يقنع بعض الشركات الأجنبية من بلاد بعيدة مثل قازاخستان بإصدار الصكوك في ماليزيا.

وتم إدراج عدد قليل نسبيا من الصكوك في دبي. وفي الماضي كانت الشركات الحكومية الإماراتية تذهب إلى لندن لإصدار الصكوك. لكن وجود خطة محددة من حكومة دبي يقنع هذه الشركات الآن بالإصدار محليا وقد يجذب شركات من أنحاء دول الخليج.

وبدا أن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون يحاول استباق هذا التهديد الشهر الماضي معلنا خطته لجعل بريطانيا أول بلد غربي يصدر صكوكا سيادية.

وقالت فارميدا بي رئيس التمويل الإسلامي بمكتب نورتون روز فولبرايت للقانون في لندن “إعلان المملكة المتحدة الخاص بالصكوك ساعد فعلا في تنشيط السوق” متوقعة أن يساعد الإصدار السيادي في تنشيط إصدارات الشركات.

لكن دبي حققت نصرا أيضا هذا الشهر حين أعلن البنك الإسلامي للتنمية في جدة والذي يدير برامج صكوك في لندن وكوالالمبور أنه سيدشن برنامج صكوك في بورصة ناسداك دبي بعشرة مليارات دولار.

وقال ابوستولوس بانتيس المحلل الائتماني للأسواق الناشئة في كومرتس بنك في لندن “أعتقد أن دبي تستطيع بلوغ موقع الصدارة رغم أن التقدم يسير بوتيرة بطيئة وسيستغرق سنوات قليلة للوصول إلى مستوى ماليزيا.”

وأضاف أنه بما أن لندن لا تقع ضمن محيط طبيعي للشركات المصدرة للصكوك وبما أن العملاء الأوروبيين سيظلوا مجموعة محدودة فإن وضع لندن يبدو الأضعف بين المراكز الثلاثة في المدى الطويل.

التأمين التكافلي

وتشمل مجالات التنافس الأخرى التأمين التكافلي وإدارة الأصول. وتمتلك لندن حجما كبيرا يمنحها ميزة بينما تستفيد كوالالمبور من موقعها بمنطقة جنوب شرق آسيا حيث أعداد المسلمين الكبيرة.

وحققت شركة كوبالت في بريطانيا نجاحا للندن في وقت سابق من هذا العام بتطوير نموذج عمل جماعي لشركات التأمين التكافلي. ويتيح النموذج توفير منتجات حاصلة على تصنيف ‭‭‭‭A‬‬‬‬ الممتاز الذي تفتقد إليه معظم شركات الخليج طبقا للرئيس التنفيذي ريتشارد بيشوب.

وقد يصطدم هذا بخطط دبي لتوسيع قطاع التأمين التكافلي على أراضيها. وقال عبد العزيز الغرير رئيس الهيئة المشرفة على مركز دبي المالي الشهر الماضي إن شركات التأمين التكافلي اضطرت لنقل بعض مخاطرها إلى شركات إعادة تأمين تقليدية بسبب وجود 19 شركة إعادة تأمين إسلامية فقط على مستوى العالم.

وقال إن هذا يفتح الباب أمام دبي لتأسيس شركات إعادة تأمين إسلامية ولم يعط مزيدا من التفاصيل.

وأخيرا سيتوقف كثير من النجاح على قدرة العاصمة المالية على إطلاق “ريادة فكرية” في الأنشطة الإسلامية ووضع المعايير والصيغ والهياكل المقبولة لدى الصناعة في مختلف أنحاء العالم.

وتاريخيا حققت ماليزيا نفوذها بسبب تطبيق نموذج رقابي مركزي يخفض احتمال نشوب نزاعات بين هيئات الفتوى الشرعية المختلفة. لكن بعض علماء الشريعة في الخليج يرون القواعد الماليزية شديدة التحرر وتسمح ببعض الهياكل التي تحاكي التمويل التقليدي إلى حد كبير.

وأمام دبي فرصة لشق طريقها بين المعسكرين. وقد أعلنت دبي أنها سوف تتشاور مع الصناعة لإصدار معايير أكثر تفصيلا وشمولا للصكوك تأمل أن تؤدي إلى حل الخلافات بين مراكز التمويل الإسلامي المختلفة.

وقال حمد بوعميم المدير العام لغرفة تجارة وصناعة دبي التي تسعى لتسويق خطة الإمارة في الجانب الإسلامي “هذا أمر مهم جدا. نعتقد أنه مطلب أساسي… لكنه لن يأتي من علماء الشريعة. يجب أن يأتي من الصناعة نفسها.”