الجدليات التي لا نهاية لها لا تزال تعصف بعالم الإنترنت والتواصل الاجتماعي. فكل طرف حول العالم يطالب بفرض رقابة تتفق مع منظومته الأخلاقية وسياساته بينما يدين الرقابة حين يطبقها الآخرين.
على وجه المثال قامت المملكة المتحدة بالضغط بشدة على فيسبوك من عدة اتجاهات أبرزها مجلس العموم البريطاني وجمعية المعلنين البريطانيين لإزالة مقاطع فيديو عنيفة. وكان فيسبوك قد قام بإزالة المقاطع التي تظهر عمليات تعذيب وقطع رؤوس من منصته لفترة مؤقتة لحين دراسة الموضوع في شهر مايو الماضي. لكن شبكة التواصل الاجتماعي الأكبر عاودت السماح بهذه الفيديوهات “طالما أنها لا تدعو للعنف”. وبرر المسئول عن سياسة الشركة في المملكة المتحدة لمجلس العموم هذا القرار بـ”أنهم محظوظون للعيش في بلد لا يحدث به ذلك. لكن منظمات حقوق الإنسان تستخدم الشبكة لإدانة تلك الأفعال عبر ذلك النوع من المحتوى”. أما جمعية المعلنين فأعربت عن استيائها في بيان يفيد بأن “الشركة ليس لديها إحساس بالمسئولية” وطالبت بالحق في ألا تنشر إعلاناتها بجانب أي محتوى عنيف مهما أن كانت الأسباب. كما أن رئيس الوزراء البريطاني المحافظ ديفيد كاميرون من أشد المتحمسين “لفلترة الإنترنت” بين قادة العالم.
وفي ذات الوقت هاجمت الصحافة البريطانية بشدة الرقابة التي فرضتها الصين بإزالة صور أخذت بخلاف القانون خلال محاكمة مسئول حكومي بتهم فساد من على شبكة التواصل المحلية “ويبو”. وبذلت شركة أمريكية جهدا كبيرا للحصول على 527 صورة أزالها الرقيب الصيني من على الإنترنت منها صور مروعة لقتلى في الحرب الكورية، وإعادة نشرها باسم حرية التعبير. غير أن الولايات المتحدة نفسها تفرض قبضة حديدية على محتوى الإنترنت حول العالم. لذلك يبدو أن ذلك الجدل سيستمر لفترات طويلة حيث أن كل طرف يرى أن التعبير بحرية على الشبكة العنكبوتية من حق من يتفق مع رأيه فقط لا غير.
أما الموضوع الوحيد الذي يبدو فيه توافق واضح حول العالم وقد أحرز فيه تقدم واضح هو مكافحة المحتوى الإباحي المتعلق بالأطفال. فهو شيء منافي للقانون والآداب العامة في جميع دول العالم وتحاربه بشدة، كما أنه لا توجد شركة يمكن أن تتجرأ للدفاع عنه بحجة حرية التعبير. لكن المحتوى الإباحي حتى إن كان لا يمثل اعتداء على الطفل لا يزال منافي للقانون والآداب العامة في الكثير من الدول وعلى رأسها الدول العربية والإسلامية. ومع ذلك توجه انتقادات لحجبه مما يظهر ازدواج المعايير. لذلك يبدو أن الرقابة بإسم حقوق الطفل ستظل هي التي لا تشكل اختلاف ومجال الفلترة الأساسي في الفترة الراهنة.
وأصبح الآن شبه مستحيل الوصول إلى هذا المحتوى على الإنترنت بفضل العمل المشترك للحكومات والمنظمات الدولية وعمالقة التقنية كجوجل ومايكروسوفت. لكن هناك أصوات تتعالى لمراقبة “الأركان المظلمة للإنترنت” مثل برامج تبادل المحتوى بين المستخدمين P2P باعتبارها الملاذ الأخير لمرتكبي تلك الجرائم. وتبدو تلك المطالب مقبولة نظريا لكن في الواقع فأن برامج ومواقع التبادل بين المستخدمين تستخدم في الأغلبية الساحقة لتبادل المحتوى العادي بشكل مجاني. ويعتبر الكثير من المستخدمين أن من حقهم إعطاء لعبة أو فيلم أو أغنية لأصدقائهم بناءا على ملكيتهم لها. لكن الشركات المنتجة ترى أن هذا يعد عرض غير قانوني وتسعى لمنعه لأنه يضيع فرصة لمبيعات تقدر بمئات الملايين من الدولارات. فإذا تحول القانون إلى مراقبة أو منع التبادل بين المستخدمين بدعوى مكافحة حوادث فردية شاذة، هناك من سيكدس أرباح على حساب ملايين من يتشاركون في المحتوى الرقمي.